قصه بيت النمس “مستوحاة من أحداث حقيقية والعهدة على الراوي”
الناس اللي تعرفنا كانوا مقسومين لفرقتين، فرقة بتصنف أبويا إنه مج.نون، أناني، متهور، مش بيحسب عواقب اللي بيعمله، بيتصرف من غير تفكير وحسابات، وفرقة تانية شايفينه راجل ذكي، نبيه، عنده نظرة مستقبلية، بيفكر خارج الصندوق وعنده رؤية مش عند اللي حواليه، يعني بيشوف جوانب محدش غيره بيشوفها، واللي معاه يكسب…
نقدر نقول أبويا يتقيم حسب الزاوية اللي هتشوفه منها، من ناحية يبان فعلًا متهور، بيتصرف كإنه عايش لوحده ومش مسؤول عن أطفال يتامى، ومن ناحية تانية دايمًا دايمًا التصرف اللي بيعمله مهما كان يبان طايش، في الآخر نتيجته بتبقى حلوة، ورقه دايمًا كسبان..
ومن ضمن التصرفات المثيرة للجدل دي قراره بإننا نعزل، ننقل من الحلمية للهرم، منطقة الهرم كانت عبارة عن غيطان! المباني فيها معدودة، مفيش عمارة ولا ونس، مفيش مواصلات، يدوبك ترام بيعدي في مواعيد معينة، ليه؟ إيه اللي كان في دماغه، محدش يعرف، هو قال لنا إحنا قبل ما ننقل علطول وبعد ما كنا بنض.رب اخماس في أسداس إنه شايف إن ده استثمار، هو جاب بيت كبير، أكبر من اللي كنا فيه، بيت مكون من دورين، غير إنه أكبر فهو أرخص كمان من شقتنا الصغيرة في الحلمية، يعني هنستفيد من فرق الفلوس، مصاريف معيشتنا، مدراسنا، احتياجتنا وخروجاتنا، ده غير إن البيت الجديد قيمته هتعلى أوي مع الوقت، وده لإنه كان شايف إن منطقة الهرم هتبقى مأهولة بعد سنين، الغيطان هتتشال وهيبقى بدالها شوارع متسفلتة ومرصوفة، الطرق هتتمهد للمزارات السياحية زي الأهرامات…
صحيح أبويا ده أنا كنت بعشقه وبثق فيه لكن كان رأيي إنه سرح أوي بخياله في الموضوع ده!
هرم إيه ده اللي هيعمر؟ معقول كل الخضرة دي تتبدل بطرق ممهدة؟ كلام مش منطقي أبدًا، احنا اتحدفنا لأراضي خالية من البشر، حيث صوت صرصور الليل بيعلى على كل الأصوات التانية لما الليل يخيم بجناحاته…
نيجي بقى عند البيت اللي بابا جابه وكان فرحان بيه، هو اه كان كبير، دورين يرمح فيهم الخيل، لكن كل حاجة فيه بايظة ومستقلة بذاتها!
حوض المطبخ فجأة ينهار مع أول صحن يطحت فيه، المواسير في الحمام فجأة تتخلع والميه تخرج نافورة منها، ده غير الحيطان المقشرة اللي شكلها يكئب واللمض اللي كل شوية تفرقع والكهربا البايظة، حاجة كده مأساة، لو ركزنا، ده لو ركزنا هنحبط وهنخبط راسنا في الحيط، لكننا كده تلقائيًا انا واخواتي بقينا نعمل أي حاجة عشان نخرج من الأجواء اللي حوالينا، ننفصل عن حالة البيت الصعبة، نخلق عالم موازي مسلي، بقينا نتفنن في تقضية الوقت، أختنا الكبيرة مثلًا كانت تحكي قصص، هي دي كانت هوايتها، كانت عاملة زي سجل ماشي على الأرض، عندها تاريخ العيلة من 100 سنة فاتت، فلان اللي اتجوز فلانة وخلفوا زيد وعبيد ودول حصل معاهم كذه، وده سافر وده جه وده سرق نصيب إخواته في الورث وده خطف مرات واحد صاحبه، وكل ده كانت بتلقطه من القعدة مع كل كبار السن في عيلة أبويا وأمي، أما الأخت الوسطانية فدي كانت المهرج بتاعنا، بتاعة استعراضات، بتقلد الفنانين، ممثلين على مغنيين على الشخصيات المميزة في حياتنا بشكل عام زي مثلًا الست “رئيفة” بياعة الأقمشة اللي كان عندها محل محندق تحت بيتنا في الحلمية، أنا بقى كنت بسمع وبتفرج ليس إلا، مجرد مساعد ليهم، عمر ما كان ليا دور رئيسي في أي حاجة، لا في اللعب ولا في الجد، لما واحدة منهم كانت تغسل المواعين بقف جنبها أخد الأطباق وأرصها في أماكنها، لما واحدة منهم تكنس كنت أمسكلها الجروف عشان تحط فيه التراب، لما واحدة تغير ملاية السرير أشدها معاها وأظبطها، ومع ذلك كنت مهمة أوي عندهم، عندهم كلهم، أبويا والبنات، كنت بتدلع من الكل، محدش بيتأخر عليا في حاجة، وأنا عارفه السبب، أنا أقل واحدة اتهنيت بأمي، ملحقتش أعرفها كويس زي ما هم عرفوها، ملحقتش أشوف اهتمام أو تربية منها، عشان كده كانوا بيسعوا بشتى الطرق يعوضوني عن النقص…
كل الحاجات البايظة في البيت وكل التصليحات اللي كان محتاجها واللي عايز مشاوير ومجهود ياما، قصادهم كان متاح معاد واحد بس في اليوم! المعاد اللي بيمر فيه الترام بالقرب من مكان البيت، كنا بنمشيله عشر دقايق ونقف نستناه، لازم كنا نحدد أولوياتنا، إيه أهم حاجة البيت محتاجها؟ سباكة مثلًا؟ نروح على الجيزة اللي هي أقرب مكان معمور ونشوف سباك ونجيبه ونتفق معاه يبات في أوضة في الدور التحتاني وتاني يوم نركبه الترام عشان يرجع..
ولو البيت محتاج طلبات، خضار عشان الطبيخ وغيره، كنا نركب الترام ونروح على سوق الجيزة نجيب الطلبات ونرجع ولو نسينا حاجة تبقى وقعتنا بيضة، طريقنا مسدود مسدود يا ولدي، نتصرف باللي موجود أو نقضيها عيش وجبنة، ده لو افتكرنا نجيبها!
وكل ده كوم ولما السنة الدراسية دخلت علينا كوم تاني، طبعًا دخلنا في المدرسة الوحيدة اللي كانت قريبة من البيت، واللي ينفع تتراح مشي، مكنش في اختيار تاني، في الفصل بتاعي كنا ستة بس!
عذ.اب، عذ.اب ما بعده عذ.اب، التركيز كله كان علينا والمدرسين بيتفردوا بينا، مفيش زحمة بقى كنت استخبى فيها لو معملتش الواجب ولا مذاكرتش عدل ولا نسيت أجيب الكشكول، وللأسف المدرسين طلع عندهم ذمة، وعملوا أقصى ما عندهم عشان يعلمونا كويس وأظن كانوا هيأدوا بنفس المستوى حتى لو الفصل كان فيه عيل وحيد.
في الأول مكنتش حاسة بمعاناة، لكن مع الوقت اكتشفت إن العزلة اثرت فيا، في رواسب اتكونت عندي، تقل وضلمة اترسبوا جوايا، فكرة إن مفيش بشر بتعامل معاهم غير اخواتي وابويا والكام حد اللي في الفصل والمدرسين حسسوني بعزلة رهيبة عن العالم، قبل كده وأنا في الحلمية كان ليا 100 زميلة أحكي معاها، واتقل على صاحب البقالة هنا ومحل الكشري هناك وأناغش الست “رئيفة” وأتخانق مع العيال اللي في الشارع، اتاري الحاجات دي بتفرق، بتحسس الواحد بالونس وبتروي نفسيته…
أيام الأجازة كانت الأتقل بالنسبة لي، كنت بفتح عيني وبفضل ثابتة في مكاني ببص في الفراغ جنبي لمدة ساعة كاملة مثلًا وبعدها اتحرك، اصل هقوم أعمل إيه، هفطر واقعد مع اخواتي ننضف ونتكلم ونتخانق شوية وبعدين ننام؟
ده حتى التليفزيون مكناش جبناه لسه، بابا قال إن في اولويات والتلفزيون مش من ضمنهم…
في يوم “سماح” بصتلي جامد كإنها أدركت الك.آبة اللي وصلتلها، قالتلي:
-مفيش حال بيدوم، بكره نزهق من الزحمة..
عرفت منين؟ ده فعلًا اللي كان مسببلي اكتئ.اب، غريبة الصلة ما بين الأخوات..
-أيوه بس…عبال ما ده يحصل..
-الأيام بتعدي هوا، بكره أفكرك…
-اليوم بيعدي عليا طويل أوي، من أول ما بصحى بستناه يخلص.
-طب أوريكي حاجة جديدة ومسلية؟
مستنتش أوافق، مسكتني من إيدي وطلعتني وراها من الدور التحتاني للي فوق…
نطت على سريرها، بصتلي بصة خبي.ثة وبعدين خبطت بعقلة صباعها على الحيطة اللي لازقة في السرير، رجعت بصتلي تاني كإنها عملت انتصار فظيع، مفهمتش أنا إيه الهبل ده…
عيني زاغت، بحاول اترجم اللي عملته، دي لعبة معرفهاش مثلًا؟
=وبعدين يا “سماح”؟
-بعدين إيه، إنتي مسمعتيش؟
=سمعت إيه؟
-الرد على الخبطة بتاعتي…
رد إيه وبتاع إيه، ما داهية تكون راحت منها وأنا اللي فاكرة حالتي صعبة، اللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته، “سماح” اتجنت ياعيني من العزلة…
-اه، اه أكيد مسعمتيش عشان الخبطة كانت خفيفة، ما أنا اصلًا خبطتي كانت خفيفة فالرد عليها هيكون خفيف..
لا حول ولا قوة إلا بالله، دي حالتها صعبة أوي.
خبطت خبطة أقوى شوية، أنا رفعت حواجبي باستهزاء وكان باين عليا الملل، وبعد ثواني جه الرد، نفس صوت الخبطة بالظبط!
إيه اللي حصل ده؟…ملامحي اتبدلت من الملل للبلاهة والفضول…
فردت كفها وخبطت بيه على الحيطة، المرة دي الخبطة كانت أقوى من المرتين اللي قبلها وجت الخبطة بنفس الصوت برضه، كإنه صدى صوت…
بعد الخبطة التالتة هديت شوية، فهمت اللعبة، إحنا كنا اتنين بس في الأوضة، أنا و”سماح”، بالحسبة البسيطة كده في واحدة ناقصة، “شادية”، هي أكيد كانت في الأوضة بتاعت بابا وبترد على “سماح”، تلاقيهم متفقين على كده، واستغلوا إن بابا مش موجود، هي خدعة بسيطة بس لذيدة! نجحوا يخلوني أبتسم، ده أنا كنت نسيت عضلات وشي إزاي بتتحرك!
لأ وكمان لقيت “شادية” داخلة بعدها بمفيش، حبكوها صح…
أنا حبيت أعوم على عومهم عشان اللعبة تفضل مسلية، قلت ل”سماح”:
=إيه ده بقى يا “سماح”؟ تفسيره إيه؟
برقتلي وردت عليا بتحفز:
-هو إيه اللي إيه ده؟ بقولك روحي إنتي نشري الغسيل، هو كل حاجة علينا؟ ياكش فاكرة نفسك السفيرة عزيزة؟
قواعد اللعبة طلعت معقدة أكتر ما أنا متخيلة! مبقتش فاهمامها، المفروض إننا منقولش ل”شادية”؟ اااه، فهمت، كده يعني بيسبكوا الدور أكتر، على أساس الصوت اللي جه من الحيطة ملوش علاقة ب”شادية” وأنا كده لما أقول قدامها هفشي السر، فاكرين نفسهم هيقدروا يخوفوني بجد؟ هه، يوروني شطارتهم.
الفقرة دي خلصت ورجعنا لروتيننا العادي الممل لحد ما بابا رجع وكملنا بعد كده الروتين الممل برضه الفرق إننا بدل ما كنا 3 بقينا 4.
استنيت يكرروا اللعبة تاني لكن مكرروهاش لحد ما جه يوم الجمعة، خلاص بقى أهو يوم أجازة ورايقين وأكيد هيحاولوا يخو.فوني، الوقت عدى لحد معاد الترام، أنا و”سماح” قررنا نفضل في البيت و”شادية” وبابا هم اللي نزلوا عشان يجيبوا الطلبات..
جت في دماغي فكرة، أنا اللي هلعب ب”سماح”، مش هي عاملة مع “شادية” عصابة؟ أما أشوف هتعمل إيه وإحنا لوحدنا…
نطيت جنبها على السرير وهي ممددة، قلتلها:
=ما تخبطلنا على الحيطة يا “سماح”؟
-بس كده إبعدي.
-=الله، أنا زهقانة، ما تخلي الحيطة تلاغينا كده، خبطي عليها تخبط علينا بدل ما احنا قاعدين لا شغلة ولا مشغلة.
ردت وقالت إنها تعبانة، دايخة ومصدعة…طبعًا هتقول كده أومال هتقول إيه، معندهاش شريكة ترجع تخبط عليها وهتتفضح..
أنا استمتعت بالدور اللي عملته وبالكسفة اللي هي اتكسفتها بس وبعدين؟ مفيش حاجة تاني كانت تتعمل، لأ وإيه كمان أنا و”سماح” كنا لوحدنا و”سماح” عملالي فيها شهيدة، أنا تقريبًا لوحدي!
الوضع فضل كما هو لحد الساعة 5 المغرب، الدنيا ضلمت عشان اليوم بقى قصير والجو شتا، ووقتها سمعت صوت في الدور التحتاني…
صوت مكنتش عارفة أميزه، خرابيش مثلًا، لكن كان الصوت واطي، قدرت أسمعه بس عشان الهدوء الرهيب في البيت…
نزلت على السلالم بهدوء، لقيت رغيف عيش على البلاط ، متاكل منه حتت صغيرة وفي نقر بسيطة على الحيطة، مش أنا كنت زهقانة عشان قاعدين لوحدنا، أهو جالنا فار يونسنا!
يادي الق.رف! إحنا مش هنعرف نحدد الفار ده عدى على إيه ومسك إيه، أي حاجة هنستخدمها لازم تتغسل بالصابون قبلها، حتى الطرابيزة اللي بناكل عليها، وده لحد ما نصطاده أو بمعنى اصح بابا يصطاده…
لما بابا جه بلغته الخبر السعيد، في بيتنا فأر، وشه نور! وده لإنه زينا أكيد مل من الحياة الرتيبة واليوم المتكرر، ولقى هواية لنفسه، هواية الصيد.
قبل ما ننام عمل مسح للبيت كله شبر شبر ملقاش أثر للفار وهنا يبدأ الرعب الحقيقي، هننام وفي فار مطلوق في البيت، ممكن يبقى في أي مكان وممكن يروح من أي مكان لأي مكان، مع كل تقليبة ليا على السرير كنت بتنفض وبفوق، بيتهيألي إنه بيجري تحت المخده أو عند رجلي أو بيلعب في شعري والنتيجة إني روحت المدرسة تاني يوم وأنا مش نايمة تقريبًا…
بابا يومها مراحش الشغل، كان هيتج.نن من الفار اللي بيسمعه بينقر ويخربش في الحيطة والبلاط ومش عارف يلقطه مهما اتحرك بسرعة لمصدر الصوت، اتغاظ وقرر إنه لازم يعمل خطة محكمة عشان يمسكه، تاني مشوار بالترام كان مخصوص عشان يجيب مصيدة وسم فيران…
مجبش مصيدة واحدة جاب أربعة! أنا أعرف بيصطاد فار ولا دب؟ وزع المصايد ما بين الدور الفوقاني والتحتاني وحط فيهم الجبنة الرومي، كان في عينه متعة غريبة وهو بيحطهم…
فات اليوم الأول ومشفناش الفار ولا سمعنا صوته، لكن في نص الليل بتاع اليوم التاني قمنا مفزوعين كلنا على ص.رخة رهيبة، حيوان بيت.ألم! الفار دخل المصيدة..
فضل كتير يت.ألم، إحساسي اتبدل من رغبة في إنه يتمسك لوج.ع، كنت بتقطع وأنا بسمعه بيتع.ذب، أي كائن في الدنيا ميستحقش يتع.ذب بالشكل ده، مسكت المخده وحطتها على وداني، عايزاه يسكت، مبقتش مستحملة، الصوت أخيرًا هدي، الصر.خات بقت مقطعة، واطية عن قبل كده، بقت نبرة مبحوحة منهكة لحد ما الصوت قطع تمامًا..
نويت لما اصحى بدري وأنزل عشان أروح المدرسة أعدي بسرعة قبل ما ألمح الفار مي.ت في أي مصيدة من المصايد، الصوت أصله كان جي من تحت، أول ما أنزل هبص في الأرض وأجري لحد الباب، ده اللي كنت ناوية أعمله…
أخدت فعلًا السلالم على مرة واحدة لكن وقفت بالقرب من باب البيت وده عشان لمحت بطرف عيني أبويا واقف زي التمثال…
رفعت راسي لقيته مدلدل راسه مركز على حاجة على الأرض…
سألته:
=بابا حضرتك كويس؟ مش المفروض تكون بتلبس وبتستعد للشغل؟
-فين إخواتك؟
=إخواتي مواعيدهم غير مواعيدي بينزلوا بعدي بساعة عشان هم في مبنى مختلف بتاع ثانوي.
جاوبته بنبرة فيها سخرية لكن من غير ما أقل احترامي، معقول؟ نسي؟ إيه اللي شاغل باله وملخبطه بالشكل ده؟
-رقية، هو إنتي مش سمعتي الفار إمبارح وهو…
=بيم.وت؟ ده البيت كله سمعه، صوته كان صعب أوي.
-هو مش موجود في المصيدتين اللي في الدور الأرضي، معقول يكون فوق؟
=لأ طبعًا، الصوت كان جي من تحت.
-طيب إيه تفسير ده؟ إنه مش موجود؟ يكون جه حيوان، قطة مثلًا نطت من الشباك اللي مفيهوش إزاز أو البلكونة اللي الشيش بتاعها مش بيقفل أو الفتحة اللي في المطبخ وأخدته وجرته على بره؟
=ممكن، بس لازم يكون في آثار، يا د.م الفار في المصيدة وجنبه أو الجبنة تكون اتاكلت ولو شوية منها…
-صح، لازم يكون في اثر، المشكلة إن مفيش.
مكنش في وقت اقعد أحلل وأحاول أحل اللغز معاه، بس ده ميمنعش إن دماغي كانت هتن.فجر من التفكير ومركزتش في الحصص، ممكن يكون الفار راح فين؟ أو إيه اللي حصل له؟ في الآخر مفيش غير إجابة واحدة كانت بارزة قدامي، إجابة مش منطقية ومر.عبة وهي إن الفار مثل!
عمل أداء، مثل كإنه بيم.وت وبيت.ألم وده عشان أدرك الغرض من المصايد وتأثيرها، سخر مننا وعمل كإنه بيم.وت فعلًا…
لأ، لأ، دي حاجة أي عقل ميصدقهاش، مش ممكن!
كنت براقب الساعة، مستنية اليوم يخلص بأي شكل عشان أروح واعرف التطورات، كان عندي أمل ألاقي بابا بيضحك ويقول لي إنه غلط وإنه لقى جث.ة الفار وإنه بس مكنش فايق لسه..
مشيت بسرعة من المدرسة على البيت، كنت سابقة إخواتي بخطوات، هم كانوا عمالين يضحكوا، مش فارق معاهم موضوع الفار، بعكسي، كنت شايفاه موضوع كبير وغريب…
بابا مكنش لسه رجع من شغله، كنت قاعدة مش على بعضي مستنياه، يدوبك غيرت هدومي وأكلت بسرعة وفضلت في الدور التحتاني لحد ما جه…
أول حاجة قلتلهاله وهو يدوبك داخل من الباب:
=هاه يا بابا لقيت الفار؟
هز راسه يمين وشمال، بما معناه ملقهوش!
كان ممكن الحادثة دي تعدي وتروح لحالها، الأيام تدوبها في الذاكرة بتاعتنا، ولما السنين تعدي نقول كان في قطة فعلًا أخدت الفار واحنا مخدناش بالنا أو كان في فار بيتع.ذب فعلًا لكن بالقرب من البيت مش جواه أو إن ده محصلش أصلًا، بتحصل، وقت الحدث بنبقى متأكدين من حاجة معينة وبعدين نشكك فيها، الذاكرة دايمًا بتخو.ننا، لولا اللي حصل في نفس اليوم بليل…
بعد وصلة الحيرة بتاعة الصبح والرد بتاع بابا لما رجع من شغله واستعدادنا للنوم اتفاجأنا ب”شادية” بتص.رخ، كانت نزلت المطبخ عشان جاعت وقالت تاكل أي حاجة في التلاجة، كلنا نزلنا على ملى وشنا، قالت إنها سمعت صوت خرابيش في الصالة ولما جريت عليها، لمحته بيعدي بسرعة، الفار!
المشكلة إن شكله كان غريب شوية على وصفها، مش شبه الفيران المعتادة، هي لمحته بس لمحة صغيرة فمكنتش متأكدة، قالت إنه تقريبًا عنده فرو خشن، لونه رمادي غامق، راسه شكلها مثلث وشنبه طويل، جسمه ضخم بالنسبة لفار وإيديه ورجليه قصيرين..
-باسسس، بس، بس، بس، ده نمس مش فار!
“نمس”؟ كنت أول مرة اسمع الإسم ده، يعني إيه نمس اصلًا…
بابا كمل كلام:
-النمس ده حيوان بيعيش في المزارع، واحنا متحاوطين من الغيطان، برافو يا شادية وصفتيه مظبوط.
الخبر الحلو إننا عرفنا أكتر الكائن اللي منكد علينا عيشتنا، الخبر الوحش إنه منكد علينا عيشتنا!
يكون ده التفسير؟ النمس ممكن يكون حيوان ذكي لدرجة إنه يعمل فينا المقلب اللي عمله، يعمل أداء مسرحي ويسخر مننا ويوهمنا إنه م.ات وهو عارف إننا هنكتشف ده بعد كده؟
بعد زهو بابا بالانتصار بتاع كشف الحيوان المجهول رجع بسرعة بلم، هو إحنا مش هنعرف نخلص من النمس ده؟؟
أنا بقى مزاجي اتبدل تمامًا، بقيت واحدة تانية غير اللي كانت موجودة من كام يوم بس، اتحمست جدًا وكنت هم.وت واتعرف اكتر على النمس ده وأصاحبه! مش عايزاه يم.وت ولا حتى يسيب البيت، عايزاه يبقى حيواني الأليف أو صاحبي…
اليوم اللي بعديه استنيته يظهر، يعمل أي صوت، وأنا بنفسي دورت عليه في كل حته في البيت، مكنش ليه أثر، ويا فرحة ما تمت، الونس اختفى من قبل ما يبقى ونس…
الحياة هترجع تاني مملة، مفيش أي وسيلة للمتعة، وكمان الشتا دخل، مطرة وطينة وغياب للشمس…
جه الليل والمفروض كنت أنام عشان هصحى كالعادة الصبح بدري لكن مقدرتش، مهما حاولت مقدرتش، قفلت عيني، عصرتها عصر، ولا غفلت، بعكس “سماح” و”شادية” اللي غرقوا في النوم…
وفجأة جت في بالي فكرة…
سريري برضه كان جنب حيطة زي سرير “سماح”، قعدت ورفعت إيدي وخبطت 3 خبطات…
معرفش ليه عملت كده مع إني متأكدة إن اللعبة دي بيلعبوها اتنين “سماح” و”شادية” والاتنين نايمين، يعني محدش كان هيرد عليا، لكن اللي حصل إني سمعت بعدها 3 خبطات!
نترت البطانية من عليا وبعدت عن الحيطة بسرعة، إيه اللي حصل ده؟ مين اللي رد عليا؟!
ما داهية متكونش لعبة؟ وتكون “سماح” مش كد.ابة؟ و”شادية” ملهاش علاقة بالموضوع؟ أهو ده كان كفيل ينيمني! أو تقريبًا خلاني يغم عليا من الرع.ب، غطيت وشي وجسمي كله بالبطانية وغرق.ت في النوم وأنا بنهج وبنز عرق…
وأنا نازلة من على السلالم الصبح لمحته بيجري بسرعة، النمس!
أهو ظهر، الحمد لله!
مش المفروض أفرح؟ لكن مقدرتش أنسى اللي حصل الليلة اللي قبلها…
كنت مضطربة أوي، مش قادرة أفسر موضوع الخبطات اللي بتترد، وأول لما رجعت من المدرسة و”شادية” راحت على المطبخ وانا و”سماح” بقينا لوحدنا سألتها:
=هي اللعبة اللي ورتيهاني، لما بتخبطي على الحيطة وتيجي خبطة زيها، بدأتي تلعبيها إمتى؟
-بعد كام أسبوع من انتقالنا للبيت، ليه؟
=عادي يعني؟ مخ.وفتيش؟ وإيه تفسيرك بقى للكلام ده؟
-صدى صوت.
=يااا سلام.
ثبتت عنيها عليا وبصتلي بصة لئيمة وقالت:
-وأفرضي مش صدى، مش لازم كل حاجة نقعد نفسرها، أهي حاجة كانت بتسليني وخلاص، بحس إني مش وحيدة، حاجة حاسة بيا، بترفه عني، بترد السلام أو الخبطة، ولا اتأذيت ولا حاجة مست شعرة مني.
=طب دلوقتي، إحنا الأربعة بس اللي ساكنين في البيت، غير الكام فلاح اللي بييجوا عشان يرعوا الأرض والحيوانات والطيور والحشرات، لكن مطلعناش لوحدنا، في حد تاني ساكن في البيت معانا…
عنيها ثبتت قدامها مع باقي جسمها، كإنها أدركت حاجة، رفعت راسها ليا بعدها وقالت:
-النمس!
=اللي يخلي حيوان بالذكاء إنه يقدر يهرب مننا كل الفترة دي وياكل في أكلنا ويخربش الأرض والحيطة ويزيف مو.ته، يصر.خ ويعيط ويعمل شهيد، أكيد هو…
-هو اللي بيرد على الخبطات! ايوه…بس، في خبطات بتبقى قوية شوية، مش النمس اللي هيقدر يعملها..
=يعني باقي تصرفاته هي اللي منطقية؟
وبس، خلص كلامنا على كده، من غير نتيجة، هل فعلًا اتأكدنا إن النمس هو اللي بيلعب معانا وبيرد الخبط على الحيطة ولا تكونش حاجة تانية…
………………………………….
فات كام يوم خلالهم كنت بشوف النمس كتير، بلقطه بس، وده لإنه كان بيجري بسرعة البرق، كنت ببسبسله، بجري وراه، مفيش فايدة، غاوي يلعب استغماية، لحد يوم معين…
كنا متجمعين كلنا في المطبخ، اللي بيعمل حاجة يشربها واللي بيتعشي من بواقي أكل الغدا، ابويا فتح التلاجة وقفلها بسرعة، حط إيده على راسه وقال:
-أخ! نسيت يا بنات أجيب عيش آخر مرة روحت فيها الجيزة، سامحوني بكره مفيش سندويتشات، معلش خدوا فاكهة، في موز وبرتقان وتفاح، الخير كتير من الغيط، فاكهة طازة ومخدومة…
“مغ.فل”!
كلنا اتجمدنا في مكاننا، عنينا بس اللي كانت بتتحرك وده لإن الصوت مجاش من حد فينا، محدش فينا اتكلم!
-مين فيكم يا قلالاة الأدب اللي قالت كده؟
“مش أنا”، “أنا مقولتش حاجة”، “والله ما أنا”
قلنا الجمل ورا بعض وأنا قلت الجملة الأخيرة، ابويا بصلنا بغ.ضب وبدا يتحرك وهو بيقول:
-كده؟ أنا هعرفكم إزاي تقلوا أدبكم على ابوكم..
وعينك ما تشوف إلا النور، عشنا لحظات مر.عبة من المطبخ لحد أوضتنا في الدور التاني، جرينا بسرعة العرسة وأبويا الحمد لله مكنش بسرعتنا، وصلنا الاوضة وقفلنا على روحنا الباب..
بصينا لبعض اول ما بابا بعد عن الأوضة بعد وصلة الشت.ايم والتهزيق وانف.جرنا في الضحك…
المشكلة إني متأكدة إن بابا كان مستوعب كويس إن مفيش حد فينا اللي قال الكلمة، لا ده صوتنا ولا تربيتنا تسمح بده، ده غير إن مفيش بوق واحدة فينا اتحرك!
أما احنا فبعد وصلة الضحك جه الصمت المريب، إحنا برضه كنا عارفين إن محدش فينا اللي اتكلم، يبقى مين؟
اتبادلنا النظرات الحيرانة شوية وبعدين كل واحدة راحت على سريرها ونامت…
“يتبع”
بيت_النمس
ياسمين_رحمي
“الجزء الثاني والأخير”
لازم أمسك النمس ده! الموضوع كبر في دماغي، إن شا الله أحب.سه في علبة كرتون ولا صندوق ولا أقفل عليه باب أوضة، لكن ابن اللذينة الواحد مستحيل يلحقه، وهنا جت في بالي فكرة تانية…
لما جه يوم الجمعة وبابا راح للصلاة دي كانت فرصتي، عملت مناقشة سريعة مع “سماح”، قلتلها لازم نشرك “شادية” في لعبة الحيطة، يمكن تفسرلنا الظاهرة دي…
أنا و”سماح” قعدنا على سريرها، بصينا ل”شادية” وقلتلها:
=في…حاجة، عايزين نوريهالك.
شاورت ل”سماح” بدماغي، اللي هو يالا ابتدي، رفعت إيدها وخبطت خبطة واحدة على الحيطة…
ورد الخبطة جه، نفس مستوى الصوت والنمط بتاع الخبطة بالظبط!
“شادية” اتخ.ضت، رفعت راسها وقالت:
-هو بابا مراحش الصلاة ولا إيه؟
رديت عليها:
=يعني بابا حتى لو موجود، هيلعب اللعبة دي معانا؟
رفعت بعدها إيديا الاتنين وخبطت بيهم الحيطة خبطتين، وجالي الرد، نفسها الخبطتين.
هنا “شادية” اتنفضت، قعدت تسأل عن مصدر الصوت، كانت مف.زوعة ومستغربة من هدوئنا الغريب، كإنه روتين بنعمله عادي…
كنا لسه هنكمل القعدة اللطيفة دي لولا إني لمحت حاجة بتعدي في الطرقة بره الأوضة، النمس…
جريت وسبتهم، لمحته في آخر الطرقة على حرف السلم، قلتله:
=متخافش، أنا مش عايزه ااذيك، أنا بس عايزه أعرفك، محدش فينا هيأذيك..
النمس…وقف..
لف وبقى في مواجهتي، زي ما توقعت، فهمني…
شاورت على نفسي وقلت:
=”رقية”، أنا “رقية”..”رقية”..
كانت مبالغة مني، حتى لو الحيوان ذكي، مش لدرجة يفهم إن ده اسمي، بس اهو، كنت هخسر إيه…
ده اللي كنت بفكر فيه قبل ما بوقه يتحرك…”رو…قية”!
نطق اسمي، النمس نطق اسمي، مش بس كده ده حرك إيده الصغيرة وشاور على نفسه وقال:
-نمس!
النمس بيتكلم!
وبيعرف نفسه إنه “نمس”، النمس اسمه “نمس”…
وأكاد أجزم إني شفت ابتسامة خفيفة على وشه، بعدها مشي، نزل على السلم، مكنش بيجري، كان بيمشي، اتطمن ليا…
لما رجعت البنات سألوني إذا كنت بكلم نفسي، مهو مش معقول كنت بكلمه، مردتش عليهم، أنا نفسي مكنتش لسه مستوعبة..
أحلى حاجة إني محتجتش أشرح نفسي أو أبان اتهبشت في عقلي وده لإن على مدار الأيام اللي بعدها النمس نطق في وجود التلاتة، “شادية” و”سماح” و”بابا”، كان دايمًا بيقول كلمة تعبر عن اللي عاوزه زي “أكل” لما يبقى جعان أو “مية” لما يبقى عطشان أو “مبسوط” أو “برد”، خلاص مبقاش في شك إن النمس اللي معانا في البيت حيوان ذكي جدًا وناطق كمان، ده غير إن ساحتنا اتبرأت، مطلعناش إحنا اللي قلنا لبابا “مع.فل” مع إننا من الأول عارفين ده…
بعد الخضة وحالة الازبهلال كلنا بدأنا نستظرف “نمس”، بالعكس كمان بقينا نستنى تعليقاته اللي بتبقى عبارة عن كلمة واحدة، بنجري لما يقول “أكل” أو “جعان” عشان نجيبله حاجة ياكلها أو “ميه” ونصبله من القلة على الكوباية الصغيرة اللي يقدر يمسكها، تقريبًا كده اعتبرناه الحيوان الأليف بتاعنا، هو كمان بدأ يتعود علينا، مبقاش يعمل النطات البهلوانية بتاعته ومش محتاج يجري مننا، ومع الأيام سلوكه اتطور وبقى لطيف أكتر، بالذات معايا أنا، مثلًا مرة دخلت أوضتي عشان أكمل استعدادات المدرسة لقيت وردة حمرة ووردة صفرة على سريري، “نمس” جابهوملي من الأرض حوالين البيت، حاجة كده منتهى اللطافة والجمال، وطبيعي إني أنا وهو اتطورت ما بيننا علاقة مميزة، مش هبالغ لو قلت إنه بقى أهم فرد في البيت بالنسبة لي…
لحد ما جت إجازة نص السنة، وفي يوم بابا و”سماح” و”شادية” راحوا يجيبوا طلباتنا من الجيزة وأنا قررت افضل في البيت، مبقتش أتحمس للمشاوير دي أوي، حياتي مبقتش مملة، وده من ساعة ظهور “نمس”…
كنت قاعدة بطبق الهدوم وحسيت ب”نمس” جه ورايا، ابتسمت واستنيته يقعد جنبي، وفعلًا قعد جنبي وفضل سرحان في التطبيق، عمال يحرك راسه مع حركة إيدي وأنا بطبق وبكوم الهدوم في صفوف وبعدين قال:
-ما تكلميني عن نفسك أكتر يا “رقية”!
نترت الحاجة اللي كنت بطبقها، عيني فتحت على الآخر وثبتت، إيه اللي حصل ده؟؟ “نمس” بيتكلم! مش كلمة واحدة زي ما كان معودنا، ده سؤال عقلاني بتاع بشر!
حركت راسي ببطء ناحيته من غير ما أتكلم، عيني ثابتة عليه وأطرافي مشلولة..
قال لي:
-إيه مالك؟ متخافيش، مش في بغبغانات بتتكلم؟ حتى القطط، في منهم مع الوقت بينطقوا، صحيح كلامهم مش بيبقى واضح بس أصحابهم بيفهموهم..
=أيوه، بس البغبغانات مش بيعملوا مناقشات، حتى لو قالوا جمل كاملة بيبقوا سمعوها ورددوها أو اصحابهم دربوهم عليها..
-بدل المبدأ موجود، يبقى الكلام ممكن، ممكن تتفاجأي بحيوان بيطور القدرة على النطق والكلام خصوصًا لو عاش كتير زيي واختلط بالبشر طول عمره.
=أنت عشت قد إيه، قصدي عندك كم سنة؟
-80!
=نعم؟ ده مستحيل..
-علميًا اه، لكن علم البشر محدود يا “رقية”، أنا نفسي معرفش إزاي وليه أنا عشت كل ده، أنا عجوز أوي.
غمضت عيني وحطيت صوابعي على راسي ودلكتها كإني بحاول أستوعب اللي بيحصل..
-مش احنا صحاب؟ مش هتكلميني عن نفسك.
=عايز تعرف إيه؟
-أي حاجة، اللي عايزه تعرفيهوني، أي حاجة تيجي في بالك.
=تمام، نفسي يبقى عندنا تليفزيون، إحنا دلوقتي في سنة 70 وأغلب البيوت عندها تليفزيون وملون كمان، بحب الأفلام والتمثيليات والفوازير أوي، ونفسي كمان أبقى زي الجماعة الهيبيز دول.
-الهيبيز؟
=اه، شفتهم في السيما، دول ناس عايشين كده بقوانينهم، أي حاجة تطلع في دماغهم بيعملوها، لو مش عايزين يلبسوا جزم ميلبسوهاش، يلبسوا هدوم مش لايقة على بعض أو مبهدلة ماشي، يسيبوا شعرهم هايش من غير ما يقصوه تمام..
-ويشربوا مخد.رات وأدوية مش تمام برضه وماله، ده اللي إنتي عايزاه؟
=لأ طبعًا مش قصدي، مش هاخد الحاجات الوحشة يعني، أنا بتكلم عن التحرر والعيشة من غير تعقيدات وترتيبات..
-بتحبي القصص يا “رقية”؟
=اه طبعًا بحبها، عندك قصص؟
-مش أي قصص، عندي تاريخ الأرض اللي شايلة البيت ده، أحكي؟
ربعت رجلي وبقيت في مواجهته، قلتله بحماس:
=طبعًا!
-أيوه بس القصص دي عايزه قلب جامد، متأكده إنك قدها؟
=أيوه، أيوه، إحكي يالا…
-زمان، زمان، من 50 سنة فاتت، كان في مجري مائي مكان البيت ده، الميه فيه مكنتش عميقة أوي، يعني لو الواحد نزل فيها هتغطي وسطه، صحيح الحركة هتبقى صعبة شوية، كمان عشان التيار، لكن في الآخر الواحد يقدر يمشي ويوصل للبر التاني، بس الغريبة إن الطبيعي إن الأهالي يلاقوا كل كام يوم جث.ة أو أكتر طافية على وشها!
وشي اصفر، فعلًا دي واضح إنها قصة عايزه قلب جامد، لكن معلقتش، كان عندي فضول أعرف الباقي….
-زي ما قلت، ده الطبيعي، يعني الناس مكنتش بتتخض، لكن مش كل الج.ثث كان بتبقى طافية، في جث.ث كانت بتبقى في القاع.
=إزاي؟ ليه في جثث طافية وجثث في القاع؟
-نبيهة؟ سؤال مهم، الأهالي كانوا غلابة محاولوش يفسروا الموضوع، كده كده مكنوش هيوصلوا لحاجة، وكان من ضمن السكان واحد اسمه “سمكة”، الأهالي سموه كده عشان هو اللي كان مهمته ينزل في الترعة يدور على الجث.ث وده لما أسرة تفقد فرد منها، ومفيش جث.ة مكنش بيعرف يطلعها، كان سبيح، وفي يوم هل على المنطقة شاب من سكان القاهرة، محدش فاهم إيه اللي كان في دماغه ولا إيه غرض الزيارة، الشاب ده كان سباح ماهر وقرر ينزل يعوم في الترعة، من الواضح كده إنه سمع عنها وحب يتحدى نفسه، زي ما عدى المانش قال يعدي الترعة، قعد 3 أيام بالظبط، كل يوم يعوم ويوصل البر التاني بسلام لحد اليوم اللي اختفى فيه…
كان في احتمال من الاتنين يا يكون رجع بلده “القاهرة”، قصدي العمار يعني، أو…
واحتياطي “سمكة” نزل الترعة الصبح، في نفس المعاد اللي متعود ينزل فيه ولقى جث.ة الشاب تحت!
كان في تجمع حوالين الترعة، كالعادة الناس واقفة بتتفرج كإنه عرض اراجوز ولا مفهماتي وفيلم صامت، لكن المرة دي “سمكة” طول في الترعة، “سمكة” مش كل مرة كان بيلاقي الجث.ث بسهولة، لكن كان لازم كل فترة يطلع ياخد نفسه ويرجع يغطس تاني، ليه “سمكة” مخرجش؟؟
أصوات الأهالي بدأت تعلى وبقى في هرج ومرج، وفي اللي منهم قعد ينده على “سمكة” لحد ما أخيرًا خرج وهو شايل الجث.ة…
في حاجة في منظر “سمكة” مكنتش معتادة، كان بيرتجف، كل جسمه بيرتجف، ولما طلع على الأرض مكنش عارف يقف على حيله، الناس بقوا يسندوه، منطقش بحرف واحد ومن ساعتها فضل ملازم سريره إسبوع كامل!
اتش.ل، مش بينطق، عينه كانت مليانة دموع محبوسة ومش بيستجيب لحد…
الفضول كان هياكل أهله وأهالي المنطقة، في جماعة زاروه في آخر الإسبوع، حاولوا يفهموا منه إيه اللي حصل في المرة الأخيرة اللي نزل فيها الترعة وأخيرًا “سمكة” نطق…
-أنا خلاص مبقتش خاي.ف، اللي شفته وش.رور الدنيا كلها هتنتهي قريب أوي، ومستعد أقولكم دلوقتي أنا شفت إيه.. مخدتش وقت عبال ما لقيت جث.ة الشاب، كان قاعد على الأرض جوه الميه، عينه مفتحة على الآخر، وبعد لحظات أخدت بالي إنه مكنش لوحده، كان في اتنين رجالة وراه، واحد على اليمين والتاني على الشمال مثبتين رجليه بإيديهم في القاع، شكلهم كان عادي جدًا، رجالة عاديين، اه أحجامهم ضخمة، طول بعرض بس عادي يعني، زيهم زي رجالة نعرفهم، لكن أنا متأكد إنهم مش رجالة، مش بشر أصلًا، وهم دول السبب في غرق ناس ياما في الترعة…
“وبعدها بيوم واحد يا “رقية” “سمكة” ما.ت، الناس اللي زاروه وسمعوا حكايته لا صدقوه ولا كدبوه، حكاية غريبة أوي، بره نطاق منطق البشر واستيعابهم، وطبعًا زي في أي منطقة ريفية الحكاية دارت ما بين الناس، وانقسموا ما بين مصدق ومكدب، لكن حتى اللي صدقوا مكنوش متخيلين إنهم هيصادفوا الكائنات اللي بتثبت اللي بيعوموا من رجليهم وتمنعهم يطلعوا للسطح إلا لما يقطعوا النفس، لحد ما جه يوم…
المرة دي كانت في النهار، جماعة فلاحين قرروا ينقلوا المواشي بتاعتهم، كانوا هيعدوا للبر التاني، الاتنين اللي نزلوا المواشي ومشيوا معاهم شوية في الترعة بعد شوية طلعوا على المركب مع الباقي ، كانوا رابطين المواشي بحبل موصول بالمركب الصغير، وفي مرحلة معينة المواشي وقفت، مكنتش بتتجر مع المركب، وطبعًا المركب وقف عشان تقل المواشي وقوتها، حاولوا يجروهم مفيش فايدة، في الآخر فلاح منهم اضطر ينزل يشوف في إيه، نزل راسه تحت الميه ولقى كذه راجل، كل واحد فيهم ماسك بإيديه الاتنين رجلين جاموسة من الجواميس، خرج بسرعة، فضل يقرا قرآن وزعق في اللي على المركب، قال لهم يقروا القرآن اللي حافظينه، ميوقفوش، حاولوا يفهموا منه لكن هو قال لهم يعملوا كده من سكات، أصل مكنش في وقت للشرح، بعد دقيقة نزل تاني، لقى الرجالة لسه موجودين لكن أيديهم فلتت من الجواميس وكان باين عليهم الغضب، خرج ياخد نفسه ويكمل قراية قرآن، شد بإيده الحبل والجواميس بدأت تمشي بالراحة، بعدها طلع على المركب وفضل مكمل قراية قرآن مع الباقي لحد ما وصلوا البر التاني..
وأهو أثبتت الأيام إن “سمكة” مكنش بيخرف، العايمين بيغ.رقوا بفعل فاعل، والفاعل ده بيعاكس الناس برضه في مصالحهم..
=وإيه دول بقى يا “نمس”؟ إيه الرجالة دول؟
-بصي يا “رقية” أي مكان فيه مزارع أو صحرا وسكان قليلين بيبقى معاهم سكان تانيين، من جنس تاني..
=الحمد لله إن المواضيع دي كانت زمان قبل ما البيت يتبني وإحنا نييجي..
بصلي بصة لئيمة ومردش…
…………………………………
المرحلة اللي بعد كده هي إن “نمس” بقى يمشي معايا للمدرسة ويستناني في معاد خروجي ويرجع معايا البيت، مكنش بيفوت يوم، رسمي كده “نمس” بقى الصديق المقرب ليا وكلهم عملوا حسابهم على كده، واعتبروا “نمس” فرد من الأسرة، وبما إنه فرد مننا فزي ما أنا بتعاقب “شادية” جربت تعاقبه، وده عشان كنت مهووسة بيه وبيشغلني عن مذاكرتي طول الوقت ، “شادية” وقفت قدامه، حطت إيديها في وسطها واتحدته، قالتله يسيبني في حالي شوية، وهددته لو مسمعش الكلام هتح.بسه…
ومن هنا “نمس” تصرفاته اتغيرت…
“شادية” بعدها بيوم كانت على حرف السلم بتستعد للنزول، مكنتش تعرف إن “نمس” واقف وراها مستخبي في الضلمة، في لحظة لقت الدنيا بتلف بيها وبقت بتدحرج على السلالم لحد الدور التحتاني، صر.خت ص.رخة هزت البيت كله، كل حته في جسمها كانت بتوجعها، خصوصًا رجلها اليمين، وده عشان اتكسرت والعضم خرج من اللحم…بعد الص.رخة لمحت على السلالم فوق “نمس”، كان واقف بيتفرج عليها، عنيه كانت حمرة بتنور في الضلمة! هنا “شادية” بدأت تستوعب اللي حصل، “نمس” زقها، واستوعبت حاجة تانية… “نمس” مش “نمس” عادي!
كلنا جرينا عليها وشيلناها على أوضة مكركبة تحت لإنها مكنتش مستحملة تتشال لحد فوق، منظر رجلها كان بشع، لازم كنا نتصرف ونلاقيلها دكتور وفي اسرع وقت، بس إزاي، معاد الترام كان فات أصلًا! يعني مفيش وسيلة نتحرك بيها لحد العمار عشان نجيب دكتور، وهي هتستحمل كل ده؟
اللي عمله أبويا هو إنه خرج وسط الغيطان وفضل يزعق لحد ما الفلاحين الموجودين اتجمعوا حواليه ، جابهم للبيت وهم قاموا بالواجب، ربطوا رجليها جامد بقماشة، و”شادية” صر.اخها كان رهيب، مش قادرة أتخيل الألم اللي كانت حاساه، أهو حل مؤقت لحد ما ييجي اليوم التاني…
بليل “شادية” ندهت بابا، كلنا جرينا على الأوضة اللي كانت فيها لكن اتفاجأنا بيها بتقول لنا إنها عايزه بابا لوحده…
مشيت أنا و”سماح”، ولحد آخر خطوة لعتبة الأوضة كنت بتلفت ل”شادية”…في حاجة مش طبيعية، ليه “شادية” هتعوز بابا لوحده، إيه اللي بيحصل معرفوش؟
بابا خرج من عندها بعد دقايق وشه أصفر وملامحه جد، مش مجرد قلقان عليها، لأ، في حاجة قالتها خطفت وشه بالشكل ده..
مكنتش قادرة أنام، لأول مرة أخاف، في حاجة جايه، حاجة بنواجهها أنا معرفهاش، بس الأكيد إنها مش مريحة على الإطلاق…
قمت على صوت همس، الصوت كان جي من بعيد، ده كان بابا بيتكلم مع حد، والمصدر كان الدور اللي تحت…
لما قربت من السلم قدرت أسمعه بوضوح، كان بيقول:
-يالا يا حبيبي مش هتاكل، بقالك ياما مكلتش، دي “رقية” هتعاقبنا كلنا لو ماكلتش..
ابتسامة خفيفة اترسمت على وشي، ده كان بيكلم “نمس”، كنت بحب أوي علاقتهم ببعض…
لفيت ورجعت أوضتي وساعتها بس قدرت أغمض عيني وأنام، أخيرًا حاجة لطيفة وسط الرع.ب اللي عايشينه من ساعات…
طبعًا لا أنا ولا “سماح” روحنا المدرسة، لازم كنا نفضل وناخد بالنا من “شادية”، أول ما نزلت عشان أكل لقمة الصبح بدري سمعت صوت صر.خات جايه من أوضة الخزين المقفولة…
لما قربت سمعت مع الصر.خات صوت خرابيش، أدركت إن “نمس” محبوس جوه، مديت إيدي بسرعة عشان أفتح الباب لكن بابا جه من ورايا بسرعة ولحقني، مسك إيدي وشالها من عالأكرة!
-إياكي تفتحيله، أنا جريته للأوضة دي بأكل وحبسته جواها.
=أنت يا بابا؟ ليه؟
-عشان ده يا بنتي مش نمس زي ما كنا فاكرين، ولا حيوان من أساسه، ده…ش.يطان!
=ش.يطان إيه؟
-ش.يطان متجسد، أيوه ما هو الج.ن عندهم القدرة دي.
=لا، مش ممكن، ده كلام غريب أوي.
-طب إزاي تفسري نمس بحجم وقوة بسيطة يقدر يزق اختك من على السلم؟
=زق…زق “شادية”؟
-أيوه زقها، برغم إني استغربت كلامها في الأول لكن لما فكرت وراجعت كل سلوكه من ساعة ما شفناه، مفيش يا بنتي حيوان مهما بلغ ذكائه يقدر يتكلم ويستوعب الغرض من مصيدة وتأثيرها ويمثل دور ضحيتها، ده غير مشاويره معاكي للمدرسة وموضوع الخبط على الحيطة اللي بيرد عليه، “شادية” حكتلي كل حاجة، ده مش نمس يا “رقية”.
=يا بابا أرجوك…
-إياكي تفتحيله لحد ما نشوفله صرفة، أنتي فاهمة، أنا عارف إنك اتعلقتي بيه، وحتى لو إنتي مقتنعة بكلامي صعب تتخلصي من الروابط العاطفية ما بينك وبين الكائن ده، لكن ثقي فيا ده ش.ر…
صح، كلامه كان مظبوط، لما راجعت شريط الذكريات مع “نمس” اتأكدت إنه مش حيوان عادي، خصوصًا، وده اللي مفيش حد فيهم يعرفه إنه مش بيردد كلمات وبس، ده بيتكلم كإنه بني آدم عادي، وقصصه اللي حكهالي عن تاريخ الأرض المر.عب اللي بيتنا قايم عليها، وكمان بقيت شاكة إنه ليه علاقة بيهم…بالكائنات اللي كانت بتشد الناس لأعماق الترعة!
“نمس” مكنش عايز يتهد، صرا.خه المتواصل كان مصدر هل.ع وإزعاج رهيب، ما بين إنه صعبان عليا ومر.عوبة منه، واللي زاد وغطى إن بابا ركب الترماي وراح يجيب الدكتور، وفي غيابه “نمس” سكت تمامًا…
لا بقى في صر.خات ولا خرابيش، لقيت نفسي بمشي وبقف قدام باب أوضة الخزين لحد ما الوضع اتغير وسمعت صوت عواء ديب جي من الأوضة!
جريت بسرعة لورا وأنا لسه ببص على الباب، كنت هتكعبل، لحد ما خبطت في “سماح” اللي كانت بتص.رخ وبتسألني عن مصدر الصوت، مكنتش محتاجاني أرد، الإجابة كانت على وشي…
“نمس” هو اللي بيعوي.. “شادية” كانت بتزعق من الأوضة اللي ممددة فيها، وطبعًا كان الرع.ب عندها مضاعف، عشان مش قادرة تتحرك والأوضة اللي فيها في نفس دور أوضة الخزين…
=ما…متقلقيش يا “شادية”، كل حاجة تمام..
أكيد باين عليا إني بك.دب، هو إيه ده اللي تمام، سمعنا نحيبها وجرينا عليها وحاولنا نطمنها، مسيبنهاش لحد ما بابا والدكتور جم…
النمس وقتها كان سكت، مفيش أي صوت خرج من أوضة الخزين لساعات لدرجة إن بابا راح على هناك بعد ما الدكتور مشي وفتح الباب…
وهناك جوه الأوضة…”نمس” مكنش موجود!
وكلنا كنا متأكدين إن قصة “نمس” لسه مخلصتش…
فضلنا نتكلم إحنا التلاتة، أنا و”شادية” و”سماح” ، كنا بندردش في أي مواضيع عشان نونس بعض لحد ما النوم غلبنا…
قلقت على صوت باب الأوضة بيفتح، كان بيزك بصوت عالي وهناك على العتبة شفت ضل..
قعدت على السرير، كنت فاقدة النطق، بحاول استوعب اللي شايفاه، كانت شابة باين عليها في العشرينات، شعرها منكوش، حاطة شريطة ملونة عليه، لابسة هدوم مبهدلة وملونة، مش لايقة على بعضها، زي الجماعة الهيبيز بالظبط!
-إيه رأيك؟ تحبيني بالشكل ده؟
هي قالت كده من هنا وأنا انفج.رت في الصويت، البنات قاموا وبابا جه على ملى وشه، حكتلهم اللي شفته، بابا قال إني أروح أنام جنبه في الأوضة بتاعته، مسكني من إيدي ومشينا لحد أوضته، سبقته بخطوة، سبت إيده ودخلت الأوضة قبليه، وفي لحظة الباب اترزع!
الباب اتقفل عليا، وبابا ملحقش يدخل…
سمعت همهمة، كإن حد بيغني بصوت واطي وبعدها…
بابا كان بيحاول يزق الباب بكل قوته لكن معرفش…
بعد الخبطات حسيت برجلي متخشبة في الأرض، مش عارفة أحركها، عيني وقعت لتحت، لقيت إيدين ماسكة فيهم، نفس الطريقة، الطريقة اللي كانت الكائنات بتغ.رق بيها الناس لما كان في ترعة زمان…
صوت أنفاسي بقى عالي، عيني متثبتة على الإيدين، وساعتها جت في دماغي فكرة…
قلت قاصدة بصوت عالي:
=أنت بتعمل كده ليه؟
-أنا مش هسيبك، محدش هيفرقني عنك، حتى لما تتجوزي، مسموحلك تتجوزي في البيت هنا لكن متسيبهوش، طول ما أنتي في البيت ومحدش بيحاول يبعدنا عن بعض مش هأذي حد، أنا مش عاشق، أنا صديق…
كملت بنفس الصوت العالي:
=طب والصديق يرع.ب صديقه كده، أنا عايزه أشوف “نمس” تاني، مش عايزه الاشكال التانية الغريبة دي..
المرة دي شفته بين.زف، نام على جنبه، وأنفاسه اتقطعت، عنيه وسعت وفي الآخر طلع في الروح، الكائن ده لما اتشكل تاني في صورة نمس بقى في أضعف حالاته، بقى كيان مادي ممكن يم.وت، وبابا فهمني لما عملت الأداء الأخير عشان نقدر نم.وته…
“نمس” كان كيان مظلم، ش.رير، وكونه كان كويس معايا وبيحبني مش ضمان إنه هيفضل كده، كان ممكن جدًا يقلب عليا ويق.تلني زي ما ق.تل ناس كتير ملهاش ذنب، ده غير إنه أكيد كان هيأذ.ي ابويا واخواتي، مش بعيد يخلص عليهم واحد واحد، ومع ذلك…
مقدرتش أنسى المشهد الأخير، وشه وهو باصصلي بعتب وذهول وهو بيدبل، ولا إنه قالي “أنا صديق، عايزك بس تفضلي عايشة في البيت”، ودي معضلة شي.اطين الإنس برضه، حتى لما بيحبوا محدش بيقدر يثق فيهم، هم ضحايا نفسهم، وبيدفعوا تمن جراي.مهم، ولو متأخر لازم بيدفعوا….
“تمت”
بيت_النمس
ياسمين_رحمي